الأحد, فبراير 23, 2025

العقوبات في الشريعة الإسلامية شرعت للحفاظ على مصالح الناس المعتبرة، وسلطة القاضي في تقدير عقوبة الجرائم التعزيرية موسعةً تتجاوز مجرد التأكد من انطباق الشروط والضوابط - كما هو في عقوبات الحدود والقصاص - لتصل إلي اختيار نوع العقوبة وقدرها، لتتناسب مع جسامة الجريمة من جانب، وخطورة مرتكبها من جانب آخر. بيد أن هذه السلطة التقديرية محددة بإطار شرعي وضوابط جزائية دقيقة، لا يجوز للقاضي الخروج عنها أو تجاوزها.

والذي يدعم توسيع سلطة القاضي في العقوبات التعزيرية هو ما تتميز به الجريمة المستحدثة من تطور مستمر يجاوز في كثير من الأحيان إطار النظام التشريعي الجزائي، الذي يهدف للحد من الجريمة، الأمر الذي يتطلب سرعة في اتخاذ العقوبة الملائمة ولو كانت بعيدة عن قاعات البرلمانات التشريعية، والتي تصدر غالبا بعد أن قفزت الجريمة بعيدا عن متناول النص التشريعي الذي يجرم الفعل ويقرر له عقوبة ملائمة. مما يستلزم معه توسيع سلطة القاضي الذي ينظر في موضوع الجريمة، ليختار فورا العقوبة الملائمة بما يضمن الحد من توسع الجريمة، مع مراعاة التناسب بين العقوبة والجريمة، والأخذ في الاعتبار ببواعث الجريمة، وآثارها، وظروفها، وشخص مرتكبها. ولذا جاء هذا البحث ليسلط الضوء على مسألة توسيع نطاق اجتهاد القاضي في تقدير العقوبة التعزيرية ليصل إلى الإلزام بفعل هو في الأصل قربة وطاعة يتقرب به إلى الله، كحفظ بعضٍ من القرآن الكريم، أو أو إلزامه بتعبيد طريق، أو المشاركة في عمل اسعاف المصابين على الطرقات البعيدة.