وكل هذه المحددات المبنية على الاتفاق هي مما يمتاز به التحكيم عن القضاء، إذ أنها تؤدي إلى سرعة نظر الموضوع وسلاسة إجراءاته، مما يجعله رافداً مهماً للقضاء، تُحل من خلاله النزاعات بين الخصوم في مدة قصيرة، بعيداً عن البيروقراطية الإجرائية التي تؤدي غالباً إلى طول أمد التقاضي، بشكل قد يوقع أحياناً في تضخم النزاع، وتراكم خسارة الخصوم، إلى جانب إشغال القضاء والقضاة بقضايا يمكن أن تُحل بإجراءات أيسر وفي مدة أقصر.
ومن أهم المسائل المتعلقة بالتحكيم، المسائل الجنائية، وهو ما تعرضت له هذه الدراسة، حيث إنه بالرغم من اشتهار أن التحكيم لا يدخل في المسائل الجنائية، إلا أن الباحث توصل في دراسته هذه إلى أن التحكيم يدخل في المسائل الجنائية، وفق ضوابط محددة تضمنتها الدراسة، ومن أهم تلك الضوابط أن التحكيم يدخل في كل مسألة جنائية يصح أخذ العوض عنها، ولو لم يصح تداول البيع والشراء فيها، كما أن التحكيم يدخل في المسائل التي يصح أن يترك أحد الخصوم فيها حقه، بعفو أو تصالح، عن كل حقه، أو عن جزء منه.
وعليه فالتحكيم يدخل في القصاص والحدود والتعازير، متى ما توفرت الضوابط في ذلك، وفقا للتفصيل الذي تم عرضه في جنبات هذه الدراسة.