يستعرض الباحث في هذه الدراسة أسس المسؤولية الجنائية التي تعتبر الركيزة للتكليف الجنائي. ومن المسائل المتعلقة بذلك مسألة الرشد التي أثارت جدلا واسعا بين فقهاء الشريعة الإسلامية، وقد رجح الباحث أن من لم يكن راشدا، فهو غير مكلف جنائيا، ولا تقام عليه عقوبة القصاص أو عقوبات الحدود.
ويقصد بالرشد بلوغ الصبي للسن الذي يكون فيه مكتمل العقل وكامل الإدراك، وغالبا لا يكون هذا إلا فيمن أتم الثامنة عشرة من العمر، وبناء على هذا فلا يكفي في إقامة عقوبات القصاص والحدود مجرد ظهور علامات البلوغ الطبيعية عند الصبي، أو بلوغه لسن أقل من سن الثامنة عشرة.
ولا يعني هذا أن من لم يتم سن الثامنة عشرة يستطيع الإفلات من عقوبة ما قام به من أفعال جرمية توجب القصاص أو الحد لو كان راشداً، إذ يجوز في الشريعة الإسلامية تعزيره تعزيراً يلائم الحاجة، بعقوبة قد تصل إلى السجن الطويل، لكنها لا تصل إلى حرمانه من حياته أو بعض أجزاء بدنه؛ إذ مهما طال السجن فهو لا يقابل عقوبة القتل أو القطع أو إتلاف جزء من البدن قصاصاً أو حداً.
ويدعو الباحث إلى عقد المؤتمرات العلمية، والمجامع الفقهية؛ وتوسيع الدراسات حول سن البلوغ المعتبر للتكليف الموجب للقصاص ولعقوبات الحدود، في ظل عدم وجود نص صحيح وصريح يحدد علامات البلوغ أو سن بعينه يوجب التكليف الجنائي؛ إذ لا يوجد ما يمنع شرعاً من قيام اجتهاد جديد في تحديد السن اللازم لإقامة عقوبة القصاص والحدود الإتلافية، حتى مع ظهور علامات البلوغ، بشكل يتلاءم مع الزمان الذي نعيشه، وكثرة وقائع الصبيان التي تقع منهم مع قلة الإدراك وضعف الفهم، بما يحفظ أنفسهم ويحقق الأمن المجتمعي.