يهدف التقاضي على درجتين إلى فحص الدعوى بشكل دقيق لتحقيق العدالة، فمحكمة الدرجة الأولى تنظر موضوع الدعوى وتفصل فيه ويكون الفحص الأول قد تحقق وتنتهي ولاية المحكمة بنطقها بالحكم فيه، ثم تُنقل الدعوى في حال طلب أحد الخصوم أو كليهما لتنظر من جديد أمام محكمة أعلى درجة ليتحقق الفحص الثاني الذي تجرية محكمة الاستئناف، فهي ضمانة لتدارك ما قد يشوب الحكم الابتدائي من أخطاء موضوعية أو شكلية، حيث تعرض أمام قضاة اكثر خبرة، واختصاصا، وعددا، وتُعد ضمانة يتمكن الخصوم من خلالها استدراك ما فاتهم من دفوع وأدله لم يتقدموا بها أمام أول درجة.
وفي المملكة العربية السعودية تكون درجة الاستئناف حتمية للحكم الجزائي الذي ينتِج عقوبة تتضمن إتلافا للبدن أو بعضه، ولو لم يطلب ذلك أيا من الخصوم، وهذا لتحقيق أعلى درجات الفحص، سعياً لتحقيق العدالة، وإبراء للذمة.
ويباشر المدعي العام الترافع أمام محكمة الاستئناف وفق قيود دقيقة من أهمها التزامه بهدف تحقيق العدالة وبراءة الذمة، في دائرة مهمته الأساسية التي هي توجيه الاتهام وطلب عقوبة المتهم، إلا أنه قد يواجه وقائع تستلزم أن ينفك عن مهمة الاتهام والمطالبة بالعقوبة الشديدة، ليطالب بعدم الإدانة، بالرغم من بقائه في موضع الخصم للمدعى عليه، وذلك عندما تطرأ مستجدات لا يمكن معها الاستمرار في توجيه الاتهام، أو المطالبة بالتشديد في العقوبة، وذلك لا يعد عيبا في أدائه لمهمته؛ لكون مهمته الأسما هي تحقيق العدالة، ولو تطلّب الامر المطالبة بعدم إدانة المدعى عليه.
وهذه الدراسة تحاول تسليط الضوء على عمل المدعي العام أمام محكمة الاستئناف، عندما يطرأ أثناء الترافع ما يدعوه لتبني المطالبة بعدم الإدانة التي هي خلاف مهمته الرئيسية.