الخلايا الجذعية مصطلحٌ أصبح شائعاً عن ذي قبل وكلمةٌ تتردد على مسامعنا أكثر من أي وقت مضى، بل قلما تجد أحداً في وقتنا الحالي لم يسمع عنها وعن استخدامها في العلاج ففي كل يوم تُطالعنا عنها الأخبار والإعلانات في وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتساب وغيرها حتى ظننا بأنها سلعة سهلة يتم الحصول عليها متى أردنا بل ربما خُيّل للبعض بأنها حلٌ سحري لكثيرٍ من الأمراض المستعصية.
في الحقيقة العلاج باستخدام الخلايا الجذعية ليس جديداُ بل هو موجود ويعود أول استخدام علاجي للخلايا الجذعية لأكثر من 60 عاماً وبالتحديد في سنة 1957م عندما استخدمت لعلاج مرضى سرطان الدم.
ولجعل المعلومة أكثر وضوحاً للقارئ المتخصص أو غير المتخصص يجب أن نعرف ماهي الخلايا الجذعية وماهي أنواعها وماهي مصادرها وما هو النوع المستخدم حالياً في العلاج ليسهل فهم الموضوع الشائك بالنسبة للكثير خصوصاً للمرضى الذين يبحثون عن بصيص أمل للعلاج شفاهم الله.
الخلايا الجذعية بتعريف بسيط هي خلايا لديها القدرة لتجديد نفسها والانقسام والتكاثر بالإضافة لقدرتها على إنتاج خلايا متخصصة بالغة غير جذعية وبالتالي تقوم هذه الخلايا البالغة بتأدية وظائفها في الجسم مثل خلايا المناعة وخلايا الدم وخلايا الدماغ وغيرها.
وعند التطرق لأنواعها نجد أنها تندرج تحت عنوانين كبيرين: خلايا جذعية جنينية (Embryonic Stem Cells) وخلايا جذعية بالغة (Adult Stem Cells). الخلايا الجذعية الجنينية هي الخلايا المستخلصة من الجنين في الأيام الأولى من تكوينه ولها القدرة على تكوين جميع أعضاء الجسم باستثناء المشيمة وهي حالياً غير مستخدمة في العلاج ويدور حولها لغط كبير وجدل أخلاقي. يشابه الخلايا الجذعية الجنينية خلايا جذعية شبيهة لها في الخصائص ولكنها لا توجد بشكل طبيعي في الجسم بل يتم تكوينها في المختبر بطرق خاصة وتسمى الخلايا الجذعية المحفزة أو المبرمجة (Induced Pluripotent Stem Cells) ومازال اختبار العلاج بها في طور البحث.
والنوع الآخر من الخلايا الجذعية هو الخلايا الجذعية البالغة وهي أنواع عديدة وتتكون بعد تكون الجنين واكتمال نموه وتستمر طوال حياة الإنسان وهي أنواع فهناك الخلايا الجذعية المكونة للدم والخلايا الجذعية المكونة للدماغ وأيضا المختصة بتكوين العظام والأعضاء الداخلية والعين والأسنان والجلد وغيرها، وجميع أعضاء الجسم لديها خلايا جذعية بالغة مسؤولة عن تكوين ذلك العضو والحفاظ على وجوده طوال حياة الإنسان.
نأتي الآن للحديث عن النوع المستخدم في العلاج من 60 عاماً حتى وقتنا الحالي وهي الخلايا الجذعية المكونة للدم (Hematopoietic Stem Cells). هذه الخلايا تستخدم لعلاج سرطان الدم وأمراض الدم الوراثية كفقر الدم المنجلي وفقر دم البحر الأبيض المتوسط (الثلاسيميا) ونقص المناعة الشديد وغيره. هذه الخلايا تتكون في نخاع العظم (Bone Marrow) وهو المكان الذي يتم فيه تكوين الدم في البالغين ويتم الحصول عليها من النخاع العظمي أو من مجرى الدم بعد تحفيزها ببعض الأدوية وكذلك يتم الحصول عليها من دم الحبل السري للمواليد (Cord Blood Stem Cells) وتسمى عملية العلاج باستخدام الخلايا الجذعية المكونة للدم بزراعة نخاع العظم أو زراعة الخلايا الجذعية أو نقل الخلايا الجذعية ويشترط لنجاحها التوافق بين المتبرع والمريض وذلك عن طريق اختبارات خاصة تتم قبل البدء في العلاج. زراعة الخلايا الجذعية المكونة للدم لعلاج أمراض الدم شائعة جداً على مستوى العالم ومصرح بها في كثير من الدول ومن ضمنها السعودية وتعتبر السعودية من الدول المتقدمة في استخدام العلاج بالخلايا الجذعية المكونة للدم.
بقي الآن الأمراض الأخرى والتي حولها لغط كبير مثل السكري النوع الأول والتصلب اللويحي وإصابات الحبل الشوكي والشلل وغيرها. لا يوجد علاج قائم ومصرح به باستخدام الخلايا الجذعية لهذه الأمراض ولكنها مازالت في طور البحث والتجارب السريرية وأبدت نتائج واعدة وقطعت الأبحاث شوطاً مهما في هذا المجال لكن من المبكر جداً الحكم النهائي حيث أن تلك التجارب تستغرق سنوات لاختبار فعالية وأمان الخلايا الجذعية.
وكل ما يشاع من بعض المراكز في بعض البلدان من استخدام الخلايا الجذعية لعلاج السكري وغيره وانتشار لرسائل الواتساب ما هو إلا وهم وتجارة يشتغل بها ضعفاء النفوس لكسب الأموال واستغلال حاجة المرضى وتعلقهم بقشة الأمل. وقولنا وهمٌ وتجارة بسبب أن الخلايا الجذعية علاج بيولوجي وسلاح ذو حدين فقد تنقلب الخلايا الجذعية عند استخدامها بشكل عشوائي إلى خلايا سرطانية أو تكون أنسجة غير المُرادة فتزيد المشكلة وقد يحدث مضاعفات خطيرة للمريض. والسبب وراء ذلك لأن أي خلل جيني في الخلايا الجذعية يحولها إلى خلايا سرطانية غير طبيعية فتتكاثر بشكل عشوائي مما يؤدي إلى خلل في تكوين الخلايا السليمة والطبيعة وبالتالي تنعدم الوظائف الحيوية في الجسم مما قد يؤدي إلى الوفاة.
وقد لا تستخدم هذه المراكز الخلايا الجذعية حقيقةً وإنما يتم حقن سوائل مكونة من فيتامينات ومواد غذائية يشعر معها المريض بالارتياح فيظن أنها علاج فعلاً وهي في حقيقتها وهم ودجل وكسب أموال بطرق غير مشروعة.
رسالتي للمرضى المُتعبين من الانتظار أقول لهم إن العلم يتطور ويتقدم ونتائج الأبحاث واعدة لكنها تحتاج إلى الصبر وتغليب المصلحة فصحتكم أهم ووجود مشكلة واحدة لديكم خير من وجود مشاكل عديدة قد تسببها العلاجات غير الآمنة وإن حدث وزرتم مراكز الدجل لأي سبب فاسألوهم عن أبحاثهم الطبية وأدلتهم العلمية واعرضوها على المتخصصين لنقدها وفحصها. شفاكم الله وأجزل لكم الأجر والمثوبة وطهور بإذن الله.
د. الحميدي بن سالم بن حوكه
أستاذ علم أمراض الدم المساعد، كلية العلوم الطبية التطبيقية بالدوادمي، جامعة شقراء